المسلم الصحيح
المسلم الصحيح هو الذي يؤمن بالله سبحانه وبأنبيائه ، وملائكته ، وما انزله على أنبيائه من أوامر ونواهي ، وبأوصيائهم ، وباليوم الآخر « قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم واسماعيل وإسحق و يعقوب والأسباط و ما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون » (1) ، ويسير طبق المناهج التي رسمها له الإسلام ، ويحكم الإسلام في جميع مجالات حياته « فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما » (2) .
المسلم الصحيح هو الذي لا يهمل نفسه لتكيفها البيئة التي يعيش فيها و المحيط (3) الذي يندمج فيه ، أو الظروف التي تحيط به بما تشاء وكيفما تشاء ولا يستسلم للعاطفة لتكليفه حسب إرادتها ، بل يتكيف بالعقيدة الإسلامية في جميع تصرفاته ، وسائر أقواله وأفعاله ، ويسير على هدى العقيدة أينما كان وحيثما حل ، يعادي في الله ، ويوالي في الله ، ويصل لله ، ويقطع لله ، قال
(1) سورة آل عمران : آية 84.
(2) سورة النساء : آية 64.
(3) يطلق علماء الاجتماع المحيط على معنى أوسع من البيئة ، فإن مدلول المحيط عندهم هو معنى يعم البيئة والعصر .
تعاليم اسلامية 38
الإمام جعفر الصادق عليه السلام : ( من أحب لله و أعطى لله فهو ممن كمل إيمانه ) (1) .
المسلم الصحيح هو الذي يثبت وجوده ـ كمسلم ـ في هذه الحياة ، يكافح الظلم والجور ، ويتنكر وينكر لكل ما لا يقره دينه وكتابه ، مؤثراً عقيدته على كل شئ في الحياة ، « قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين » (2)، وقال النبي الأعظم محمد ( ص ) : ( لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من اهله وماله والناس اجمعين . وفي رواية اخرى : ومن نفسه) (3) . فالمسلم الكامل في اسلامه العميق في ايمانه هو الذي يتخذ من ماله ونفسه رصيداً للجهاد في سبيل الحق آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر . هذا هو الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله فيما يروي الإمام الصادق ( ع ) يأتيه رجل من خثعم قائلاً : يا رسول الله اخبرني ما افضل الإسلام ؟ قال : الايمان بالله ، قال : ثم ماذا ؟ قال : صلة الرحم ، قال : ثم ماذا ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (4) . وقال أمير المؤمنين ( ع ) : ( إن من رآى عدواناً يعمل به ومنكراً يدعي إليه فأنكره بقلبه فقد سلم برئ ، ومن انكره بلسانه فقد اجر وهو افضل من صاحبه ومن انكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ونور في قلبه اليقين ) (5) .
(1) الوسائل للحر العاملي ج 6 ص 431 ط إيران الحديثة .
(2) سورة التوبة : آية 24 .
(3) مجموعة ورام ص 22 ج 1 .
(4) مجموعة ورام ج 2 ص 123 ـ 124 .
(5) جامع السعادات ج 2 ص 234 .
تعاليم اسلامية 39
المسلم الصحيح هو الذي لا يخرجه غضبه عن الحق ولا يقوده رضاه إلى الباطل ، ولا يأخذ كثر من حقه إذا قدر ، يعترف بما يجب عليه ويؤديه طيب النفس ، متمسكاً بالدين ، مستقيماً على الحق في جميع ادواره واطواره ، غير متأثر بالظروف خدمته أم قست عليه سالمته أم حاربته « ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا » (1) ، ( ذكر أبو عمر سفيان بن عبيد الله قال قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا اسئل عنه احداً غيرك ، فقال : قل آمنت بالله ثم استقتم ) (2) .
المسلم الصيح هو الذي لا يغش احداً من الناس مسلماً كان أو غير مسلم ليكون داعية كبرى لدينه بحسن معاملته ، وصدق حديثه ، واداء امانته ، ووفاء وعده ، وطيب احدوثته ، وسائر افعاله وصفاته . قال النبي محمد ( ص ) :« ليس منا من غش » و قال ( ص ) : « المسلم من سلم الناس من يده ولسانه » .
المسلم الصحيح هو الذي يتألم لآلام الناس وشقائهم ، ويعمل من أجل الارتفاع بهم على الآلام والشقاء ، لا يترك المجتمع ومشاكله ومهامه ، بل يسعى مخلصاً في حل مشاكله وتحقيق مهامه وراحته وسعادته قال ( ص ) : ( كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته . من اصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ) (3) .
المسلم الصحيح من امن الناس شره ورجوا خيره ان راى منهم سيئة سترها ، وإن راى حسنة نشرها يتعظ بما يعاب عليه الناس فيتجنبه ، ويتعظ به الناس فيتخذونه قدوة في اعماله ، لا يكون ظناناً ولا همازاً ولا مشاءاً في الغيبة
(1) سورة فصلت : آية 30 .
(2) الصراع بين الأمويين ومبادئ الإسلام ص 10 للدكتور نوري جعفر ، نقلاً عن الفتوحات الذهبية ص 196 للشيخ إبراهيم المالكي .
(3) جامع السعادات ج 2 ص 225 .
تعاليم اسلامية 40
والنميمة ، بل يكون مكتسباً للفضائل مجتنباً للرذائل ، كريم المحضر ، حسن المخبر ، هشاً بشاً ، يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لها ، رؤفاً بالمؤمنين ، غيوراً على اعراضهم (1) ، إلفاً مألوفاً . قال ( ص ) : « المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف » (2) .
إذن فليس المسلم هو كل من سمى نفسه او سماه الناس مسلماً ولا شئ وراء ذلك ، ولكن هو من سماه الاسلام مسلماً ، فقد عرف لنا الاسلام المسلم الحق بما تلوته عليك من النصوص الإسلامية الواضحة في معناها ودلالتها .
***
(1) الدروس الأخلاقية ص 14 للعلامة الشيخ جعفر نقدي .
(2) الفصول المهمة ص 6 الإمام شرف الدين .